جعل الله سبحانه وتعالى الزواج شعيرة من شعائر الإسلام، وحث المسلمين عليه ورغبهم فيه، وجعل لهم الأسوة في ذلك بمن بعثهم وأرسلهم من الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام.. وذلك لما في الزواج من حِكَم ومصالح وأهداف نبيلة وسامية تعود على البشرية كافة بصلاح واستقرار أحوالها، وعلى الإنسان تحديدًا بالخير والفلاح في الدنيا والآخرة..
ومن أهم الأهداف التي يحققها الزواج: تحقيق العبودية لله بتنفيذ أمره.. وغض البصر وحفظ الفرج.. وتحقيق السكن النفسي والروحي، إضافة إلى إنجاب الذرية وإستمرار النسل، وصيانة المجتمعات البشرية من خطر الأمراض الفتاكة والأوبئة المعدية، إلى جانب المحافظة على الأنساب وإشباع الشهوات وتحقيق الفطرة الإنسانية، وإشباع عاطفتي الأبوة والأمومة، وتحقيق الستر للمرأة والرجل..
وما أن يخرج الزواج عن تلك الأهداف والغايات الأساسية، ويتحول إلى صفقة تباع فيها المرأة وتشترى، أو يبيع على أثرها الرجل كرامته وعزته ورجولته من أجل الحصول على حفنة من الأموال أو شراء مكانة إجتماعية رفيعة أو منصب زائل، فعندئذ يكون الخسران المبين والهلاك الحقيقي الذي يعصف بكل شيء أمامه ولن يُبقي ولن يذر سوى الحسرة والندم والحزن والإكتئاب الذي يصعب الشفاء منه..
للأسف الشديد إنتشرت في الوطن العربي ظاهرة زواج المصالح بشكل يصعب وصفه خلال العِقد الأخير وذلك لعدة أسباب من أهمها: الجهل والفقر المدقع الناتج عن البطالة وعدم تكافؤ الفرص بسبب تفشي الواسطة والمحسوبية، وسيطرة المرأة على سوق العمل مما أدى إلى حرمان الكثير من الشباب من العمل وتعطيل طاقاتهم وتأخر سن زواجهم لسنوات عديدة، ما يجعل البعض منهم لا يجدون غضاضة في أن يتزوجوا من نساء مطلقات أو أرامل يكبرنهم بعقود، لا لشيء إلا لأن لديهن أموالًا كثيرة يمكن بها أن يحققوا كل ما يتمنون، وبمجرد تحقيق المراد من هذه الزيجات غير المتكافئة يلوذون بالفرار سارقين تلك الأموال التي ستكون بمشيئة الله وقدرته حسرةً عليهم في الدنيا والآخرة، والتي تمكنوا من السيطرة عليها بعدما إطمأنت زوجاتهم إليهم ومنحتهم بحسن نية تفويضًا وتوكيلًا للتصرف في كل ما لديهن بحرية تامة، ثقةً منهن بأنهم لن يضروهن أو يؤذوهن قط.. وتبقى هؤلاء الزوجات تعيسات الحظ نتيجة لهذه الكارثة بمفردهن بلا أنيس ولا جليس، تغمرهن الحسرة ويكسوهن الألم بعد أن تبدلت أحوالهن وأصبحن فقيرات مستحقات للصدقة والشفقة من أصحاب القلوب الرحيمة..
من ناحية أخرى تلجأ بعض الأسر الفقيرة إلى بيع فتياتهم القاصرات لرجال أغنياء أجانب بلغوا من العمر أرذله تحت مسمى الزواج بغرض الحصول على بعض المكاسب المادية التي تساعدهم على الخروج من مستنقع الفقر والحاجة والعجز عن مواجهة أعباء المعيشة.. الأمر الذي يتسبب في تدمير هؤلاء الفتيات القاصرات صحيًا ونفسيًا وإجتماعيًا لعدم قدرتهن على تحمل مسؤولية هذا النوع من الزواج القاسي لصغر سنهن ومحدودية فكرهن، واللائي يقعن تحت براثن هذا الزواج عندما يكون برعاية آباء قاسية قلوبهم ومتحجرة مشاعرهم، لا يراعون حرمتهن ولا كرامتهن، ولا يلتفتون على الإطلاق لمشاعرهن ومعنوياتهن، فيزوجوهن من أثرياء لمدة محدودة أو غير محدودة مقابل بضعة آلاف يقبضونها، وهم يعلمون علم اليقين أن هذا الزواج غير متكافئ وفاشل لا محالة، لكنه الطمع والجشع الذي يُعمي القلوب والعقول والأبصار ويُعلي لغة المال والأرقام عن أي لغة أخرى..
ما أود التأكيد عليه هو أن زواج المصالح لا يدوم طويلًا بل ينتهي بإنتهاء المصلحة عند من يظنون أن السعادة لا تتحقق إلا بالمال والجاه والمناصب، والذين لا يعبأون بخطورة الطمع والغنى السريع المهلك في الدنيا والآخرة، خاصة لو كان عن طريق النصب والإحتيال والسرقة والتدليس، فالغِنى الحقيقي هو غِنى النفس وغِنى الأخلاق، فالنفس الأبية العفيفة الشريفة تقنع وترضى بالقليل الحلال، وترفض بالفطرة الكثير الحرام، خوفًا من عقاب رب العالمين الحي القيوم الذي لا يغفل ولا ينام.
الكاتب: هناء المداح.
المصدر: موقع رسالة المرأة.